18 مايو 2020
في 1 مايو 2020 قدَّمت مجموعة منّا لحقوق الإنسان والقسط تقريرًا للأمين العام للأمم المتحدة يحتوي معلومات مستجدّة حول سبعة نشطاء تعرضوا للأعمال الانتقامية من قِبل السلطات السعودية العام الماضي، وذلك لإفادة التقرير السنوي للأمين العام عن الأعمال الانتقامية الممارسة ضد الأفراد المتعاونين مع الأمم المتحدة الذي سيقدم لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2020.
أدرجت السعودية أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة في هذا التقرير السنوي منذ بدأ إصداره في 2010، وذلك انعكاسٌ لاستمرارية سياسة السلطات السعودية الرامية لتضييق الخناق على الأصوات الناقدة والحقوقية والمعارِضة وتكميم الأفواه، وقد شهدت البلاد تصاعدًا في درجة القمع وحدته في السنوات الأخيرة منذ تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، وكان هذا التدهور واضحًا في تقرير العام الماضي.
يسلط التقرير الذي قدّمته القسط ومجموعة منّا الضوء على النسق المستمر من التخويف والأعمال الانتقامية من قِبل السلطات السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومن هؤلاء المستهدفين سمر بدوي ولجين الهذلول اللتين تعاونتا مع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو)، فما تزال بدوي والهذلول في السجن وتواجهان محاكمةً بتهم من بينها التواصل مع أجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وكان من المفترض عقد جلسة المحاكمة التالية يوم 18 مارس 2020 لكنها أُجِّلَت دون تحديد موعد آخر بسبب تفشّي جائحة كوفيد-19، مع العلم أن تأجيل الجلسات تكرّر حتى قبل الأوضاع الجديدة.
ويركز التقرير أيضًا على أوضاع غيرهما من المدافعين عن حقوق الإنسان، فعدد منهم يقضي محكوميات طويلة في السجن حيث تستمر الأعمال الانتقامية، ونرى ذلك في قضية المدافع عن حقوق الإنسان عيسى النخيفي الذي استشير أثناء التجهيز لزيارة المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع للسعودية في يناير 2017، وقد حكم عليه بست سنوات في السجن على خلفية تهم متعلقة بنشاطه الحقوقي، حيث واصلت السلطات ممارسة مختلف ضروب المعاملة القاسية له حتى في السجن، بما في ذلك تعريته في يوليو 2019، وقد نقل بعد شهر من ذلك من سجن مكة العام إلى سجن الحائر وأُخبِر أنَّه سيواجه محاكمةً ثانية، لكن هذه المحاكمة لم تبدأ بعد وقد تكون دوافعها انتقامية لتخويفه وإبعاده عن أمه وعائلته.
وتحدث تقرير القسط ومجموعة منّا عن قضية المدافع عن حقوق الإنسان والعضو المؤسس لجمعية حسم الراحل عبد الله الحامد الذي حُكِم عليه بالسجن 11 سنة على خلفية تهم منها "تقديم معلومات زائفة عن السلطة السعودية لمنظمات مرتبطة بالأمم المتحدة"، وقد تعرض أثناء احتجازه للحرمان المتكرر من المكالمات والزيارات الأسرية ورفضت سلطات السجن السماح له بإخبار أسرته أو أي شخص خارج السجن عن حالته الصحية، وذلك أيضًا كوسيلة للضغط النفسي عليه، وفي يناير 2020 أخبره الطبيب بحاجته العاجلة إلى عملية قسطرة في القلب لكن إدارة السجن أجّلت العملية عدة شهور، وكان من المقرر إجراؤها في أواخر مايو أو أوائل يونيو 2020، ورفضت السلطات طلب الحامد البقاء في المستشفى في فترة انتظار العملية، وبعد فترة طويلة من الحرمان من الرعاية الصحية الملائمة في السجن أصيب الحامد بجلطة في المخ وهو في السجن في 9 أبريل 2020 ودخل في غيبوبة، ونُقِل على إثرها إلى مستشفى مدينة الملك سعود الطبية حيث توفي يوم 23 أبريل 2020.
وتضاف هذه الحالات إلى حالاتٍ أخرى كثيرة ذكرت في التقارير السابقة حول الأعمال الانتقامية، وكلّها تبين النسق المستمر لأعمال التخويف والانتقام من قبل السلطات السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني.
علّق مدير القسط يحيى عسيري: "تكرر السلطات السعودية توظيف سردية الإصلاح لكن سلوكها القمعي وحملات الاعتقال التي تستهدف نشطاء حقوق الإنسان تبيّن أنَّ هذه السردية ليست إلّا كلامًا فارغًا، فلا تزال الأعمال الانتقامية تمارس بحق هؤلاء المدافعين الشجعان ابتداءً بالاعتقال وبعدها في المحاكمة وما يصاحبها من تعذيب وسوء معاملة في السجن، واستمرت السلطات في ممارساتها هذه مع عبد الله الحامد حتى وفاته".
وعلّقت مديرة مجموعة منّا لحقوق الإنسان إيناس عصمان: "تزعم السلطات السعودية أنّها تتعاون تعاونًا بنّاءً مع نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن الواقع خلاف ذلك، فالسلطات السعودية تعاقب المتعاونين مع الأمم المتحدة. ونظرًا لاحتمال سعي السعودية للترشح مرةً أخرى لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 2020، فمن المهم فحص سجلّها بدقّة وعناية".
تكرر القسط ومجموعة منّا لحقوق الإنسان دعوتهما للإفراج الفوري وغير المشروط عن كل معتقلي الرأي في السعودية، بمن فيهم من تعرضوا للاعتقال وسوء المعاملة على خلفية تعاونهم مع الأمم المتحدة، وتؤيدان الدعوات لنظام أشمل لإيقاف التخويف والأعمال الانتقامية، بما في ذلك آلية مراقبة تابعة للأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان في السعودية.