06 أغسطس 2019
يواجه عشرات الفرنسيين خطر الإعدام التعسفي في العراق بعد الحكم عليهم بذلك بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وصدرت الأحكام بعد محاكمات جائرة أمام المحكمة الجنائية المركزية في العراق في الفترة من 26 مايو إلى 3 يونيو 2019.
في 25 يونيو 2019 وجهت منا لحقوق الإنسان بمعية نبيل بودي، محامي المتهمين الفرنسي، نداء إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، ذكّرت فيه بأن فرنسا ـ بعد أن ألغت عقوبة الإعدام – ملزمة قانونيا بضمان عدم تعرض مواطنيها لعقوبة الإعدام سواء في الداخل أو في الخارج.
خلفية
سافر هؤلاء الأشخاص بين عامي 2014 و 2016 إلى المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، ويزعم أنهم تحملوا مسؤوليات مختلفة داخل المنظمة الإرهابية في سوريا. تم اعتقالهم من قبل القوات الديمقراطية السورية في إطار المعارك التي خاضها الأكراد ضد داعش في عام 2018، والذين سلموهم إلى السلطات العراقية في فبراير 2019. وقامت الحكومة الفرنسية إما بتسهيل عمليات التسليم هذه أو امتنعت عن التدخل، على الرغم من مواجهتهم خطرا حقيقيا للتعذيب والمحاكمات الجائرة وعقوبة الإعدام في الدولة المستقبلة.
بعد استجواب أولي من قبل قوات الأمن العراقية، تعرضوا خلاله للتعذيب ، اتُهم الفرنسيون "بالانتماء إلى منظمة إرهابية" على أساس المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب العراقي لعام 2005. ثم نُقلوا إلى سجن المثنى السري المعروف بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وهناك أجريت معهم تحقيقات قسرية أخرى حتى نهاية مايو، تاريخ انطلاق محاكماتهم.
عرفت محاكمات المواطنين الفرنسيين بعدم التقيد بمعايير المحاكمة العادلة: لم يسمح للمحامين المعينين من الدولة الاطلاع على ملفات موكليهم إلا ساعات قليلة قبل بدء الجلسات، وهو ما ينتهك الحقوق الأساسية للدفاع، كما تم تجاهل مزاعم تعرضهم للتعذيب بشكل منهجي. وحُكم على جميع الأفراد بالإعدام بعد بضع ساعات من جلسات الاستماع الموجزة دون أية إمكانيات للطعن.
على الرغم من أن القانون العراقي ينص على عملية استئناف تلقائية في قضايا عقوبة الإعدام ، إلا أنه نادراً ما تُلغى الأحكام الابتدائية عند الاستئناف. وبالتالي فإن خطر تنفيذ العقوبة كبير لأن مقاتلين أجانب مزعومين قد تم إعدامهم بالفعل.
نداء إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة
في رسالة إلى المقرر الخاص، أكدت منا حقوق الإنسان ومحامي المتهمين الفرنسيين أنه ينبغي مقاضاة فرنسا بسبب السماح بنقل رعاياها إلى بلد ينتهك حقهم في محاكمة عادلة ولا يحميهم من التعذيب.
كان ينبغي لفرنسا أن تكون على دراية بالاستخدام المنهجي للتعذيب ضد الأشخاص المتهمين بالإرهاب والفشل المنهجي للنظام القضائي العراقي، خصوصا أن هذا النوع من القضايا قد وثقته المنظمات غير الحكومية وكذلك لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة. في يونيو 2019 ، أعلنت عضوة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، وحدة الجميلي، أن "80 في المائة من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام أدينوا على أساس اعترافات انتُزعت تحت التعذيب".
ومع ذلك صرح وزير الشؤون الخارجية جان إيف لو دريان ، في بيان علني أدلى به أمام البرلمان الفرنسي في 29 مايو، ، بأن "محاكمات المتهمين كانت عادلة". كما أعلن أن "فرنسا تعارض، من حيث المبدأ، عقوبة الإعدام ، في أي وقت وفي أي مكان." ومع ذلك، لا يمكن للحكومة تجاهل أن المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب العراقي لعام 2005 التي تم على أساسها إدانة المتهمين تنص على الإعدام كعقوبة إلزامية وقابلة للتطبيق فقط؛ ولا يمكن أن تتجاهل أن الدستور العراقي يحظر الرأفة أو العفو عن جرائم الإرهاب.
على الرغم من الجوانب المتعلقة بالولاية القضائية ، ينبغي على فرنسا أن تحظر عقوبة الإعدام خارج حدودها الإقليمية، وأن تحترم الطبيعة المطلقة لحظرها على الرعايا الفرنسيين، بما في ذلك في سياق مكافحة الإرهاب. وبالفعل سبق أن فصلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد تسليم أحد المطلوبين إلى دولة تفرض عقوبة الإعدام في قضية سويرينغ ضد المملكة المتحدة في عام 1989. وعلى ضوء هذه السابقة القضائية، تؤكد منا لحقوق الإنسان أن الولاية القضائية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تلزم الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، بما في ذلك فرنسا، باتخاذ التدابير اللازمة لإعادة مواطنيها المحكوم عليهم بالإعدام، لمحاكمتهم بما يتمشى تماماً مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
آخر التطورات
بعد توصلها بالرسالة المشتركة لمنا لحقوق الإنسان ونبيل بودي، محامي المتهمين الفرنسي، قامت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي بتوجيه مذكرة إلى الحكومة الفرنسية بتاريخ 8 أغسطس 2019 بشأن المزاعم المتعلقة بدور فرنسا في ترحيل سبعة من مواطنيها من سوريا إلى العراق، رغم مواجهتهم خطر التعذيب والمحاكمات الجائرة التي قد تؤدي إلى صدور عقوبة الإعدام في حقهم.
وأوضحت المقررة الخاصة أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام كفرنسا "يجب عليها الحصول على ضمانات فعلية وذات مصداقية بأن عقوبة الإعدام لن تصدر في حق شخص قبل تسليمه أو ترحيله إلى دولة يواجه فيها خطرا حقيقيا للتعرض لهذه العقوبة". ووفقا لخبيرة الأمم المتحدة، لا يبدو أن فرنسا حصلت على هذه الضمانات.
وأبرزت المقررة الأممية بشكل خاص العيوب المتعددة في إدارة نظام العدالة الجنائية في العراق وقصور قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لعام 2005، الذي يستند إلى تعريف مبهم وفضفاض للإرهاب. وبالتالي فإن أي حكم بالإعدام يصدر بعد محاكمة جائرة أو على أساس قانون مبهم وفضفاض هو حرمان تعسفي من الحياة.
ونبهت المقررة الخاصة في مذكرتها إلى فرنسا، أنها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبالتالي فهي ملزمة بضمان احترام حقوق مواطنيها في الخارج.