24 ديسمبر 2021
فبعدما أحكمت السلطات الجزائرية قبضتها على المجال العام بشكل شبه كامل في مايو 2021، تواصلت الملاحقات القضائية والاعتقالات التعسفية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء السلميين؛ لمجرد ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير وحرية المعتقد والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. ومنذ إبريل 2021، وظفت السلطات الجزائرية، بشكل مقلق، المحاكمات التعسفية على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب؛ لتجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني المستقل ووسائل الإعلام، وكذلك لترهيب الأفراد من المشاركة في الاحتجاجات السلمية. إذ يؤكد الافتقار لوجود أدلة موثوقة حول النشاط الإرهابي المزعوم لهؤلاء المحتجزين، والسياق الأوسع لقمع المجتمع المدني، أن السلطات الجزائرية تلاحق هؤلاء الأفراد فقط لمجرد ممارستهم حرياتهم الأساسية.
حتى 29 نوفمبر الماضي، حاكمت السلطات الجزائرية ما لا يقل عن 59 شخصًا بتهم مزعومة تتعلق بالإرهاب، بينما ينتظر أربعة مدافعين [1]وأربعة صحفيين [2]المحاكمة، إلى جانب 53 ناشطًا سلميًا، بينهم 43 شخصًا يقبعون حاليا في السجون رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة لمدد تتراوح بين 7 أسابيع إلى 7 أشهر. علمًا بأنه وحسب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، قد تتراوح مدة العقوبة بين سنة إلى السجن المؤبد وعقوبة الإعدام لمن يدان بارتكاب أعمال إرهابية.
تحاكم السلطات الجزائرية الأفراد بناءً على مزاعم بارتباطهم بحركة المعارضة السياسية «رشاد» أو «الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل» (الماك)، واللتان تم تصنيفهما «منظمات إرهابية» في 18 مايو 2021 من جانب المجلس الأعلى للأمن، وهو هيئة استشارية يرأسها الرئيس الجزائري، دون أي تدقيق قضائي. وفي 18 أغسطس، اتهم المجلس الأعلى للأمن أيضًا الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل (الماك) ورشاد، بالتسبب في حرائق الغابات المدمرة التي اجتاحت شمال شرق الجزائر خلال الصيف الماضي، إلى جانب مقتل الناشط والفنان جمال بن إسماعيل في 11 أغسطس 2021، الذي قتله محتجون في أعقاب احتجازه لدى الشرطة. وأعلن المجلس الأعلى للأمن أنه سيكثف جهوده لاعتقال أعضاء حركتي «الماك» و«رشاد» الذين يهددون الأمن العام والوحدة الوطنية، حتى يتم «استئصالهم جذريًا» على حد تعبيره.
التوصيات
يتعين على السلطات الجزائرية إطلاق سراح كافة المدافعين عن حقوق الإنسان والأفراد المستهدفين بسبب ممارسة حرياتهم الأساسية، وإسقاط الاتهامات الموجه لهم على الفور، ووضع حد للسياسات والممارسات التي تجرّم العمل المشروع في مجال حقوق الإنسان وتقيّد المجتمع المدني.
وتماشيًا مع التوصيات التي قدمتها لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في ملاحظاتها الختامية الأخيرة بشأن الجزائر، ينبغي على السلطات تعديل أو إلغاء المواد الفضفاضة في قانون العقوبات [3]والتشريعات المستخدمة لقمع الحريات العامة، وتعديلها بما يتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وبشكل خاص، يجب إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات بشأن الأعمال الإرهابية، أو تعديلها بالكامل مع تعريف موجز للأعمال الإرهابية؛ لضمان عدم توظيفها لتقييد الحقوق الأساسية، أو قمع المدافعين عن حقوق الإنسان.
إن الحملة المستمرة على المجتمع المدني في الجزائر لن تؤدي سوى للإبقاء على مناخ الخوف والقمع، بالإضافة لعرقلة تطوير أي عمل في مجال حقوق الإنسان والنشاط السلمي المستقل.
أمثلة لبعض الحالات
في 17 أكتوبر 2021، تم الحكم على الحقوقي محاد قاسمي، المدافع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في جنوب الجزائر، بالسجن 5 سنوات بتهمة «الإشادة بالإرهاب» على خلفية ما نسب له من منشورات تنتقد الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 24 أغسطس 2021، أخفت الأجهزة الأمنية قسرًا المدافعة عن حقوق الأقليات كاميرا نايت سعيد، والتي ظهرت لاحقًا أثناء مثولها أمام المحكمة في 1 سبتمبر، لتُواجه العديد من الاتهامات المتعلقة بالإرهاب، استنادًا لعلاقتها المزعومة بحركة (ماك).
ويواجه المدافع عن حقوق الإنسان قدور شويشة إلى جانب جميلة لوكيل وسعيد بودور المدافعان عن حقوق الإنسان والصحفيان، و13 ناشطًا سلميًا أخرين، أحكامًا بالإعدام بتهم الإرهاب بعد اعتقالهم في الفترة من 23 إلى 27 أبريل 2021.
كما اعتقلت الشرطة الجزائرية 7 نشطاء [4]من بينهم عضوين في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان [5]خلال الفترة بين 12 و17 أكتوبر، يُحاكمون حاليًا بتهم متعلقة بالإرهاب.
وفي 5 أكتوبر 2021، اعتقلت السلطات الجزائرية الناشط ورجل الشرطة السابق زاهر مولاوي، ووجهت له اتهامات من بينها «المشاركة في منظمة إرهابية» (المادة 87 مكرر 3) و«الإشادة بالإرهاب» (المادة 87 مكرر 4). وكان مولاوي قد تمت محاكمته العام الماضي في 3 قضايا مختلفة على الأقل تتعلق بنشاطه السلمي.
وفي الفترة بين 2 و14 سبتمبر، تم اعتقال 15 ناشطا أمازيغيًا، [6]لى جانب الصحفي محمد مولودج، يحاكمون جميعًا بتهم تتعلق بالإرهاب، على خلفية انتمائهم المزعوم إلى حركة (ماك).
وفي سياق متصل، يعد اختطاف الناشط الأمازيغي المسيحي سليمان بوحفص من تونس المجاورة وإساءة معاملته وإعادته قسراً في 25 أغسطس، بتعاون واضح بين قوات الأمن التونسية والجزائرية، انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ويشكّل سابقة خطيرة. وحاليًا، يقبع بوحفص رهن الحبس الاحتياطي، ويواجه عقوبة السجن المؤبد بتهمة «المشاركة في منظمة إرهابية» (المادة 87 مكرر 3) إلى جانب 9 تهم أخرى.
انتهاكات الإجراءات القانونية
غالبًا تصاحب هذه الاعتقالات والمحاكمات انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة وغياب تام لضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك الافتقار إلى المعلومات المقدمة عن طبيعة وسبب التهم، ومنع الوصول للمساعدة القانونية، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أيام، وهي مشكلة سبق وتطرق لها خبراء الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة.[7]
تحتجز السلطات الجزائرية، بشكل شبه منهجي، المتهمين رهن الحبس الاحتياطي المطول دون وجود مبررات كافية، بينما ينص القانون الدولي بوضوح على عدم استخدام الحبس الاحتياطي باعتباره تدبيرًا عقابيًا أو معيارًا، وإنما يُتخذ كملاذ أخير. [8]فعلى سبيل المثال، احتُجز المدافع عن حقوق الإنسان، محاد قاسمي، أكثر من 16 شهرًا احتياطيًا قبل المحاكمة. كما اعتُقل النقابي رمزي دردر، إلى جانب ثلاثة نشطاء آخرين [9]في باتنة، خلال الفترة بين 27و30 يونيو2021، على خلفية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، واحتُجزوا على ذمة المحاكمة منذ ذلك الحين. وبالمثل تقبع الناشطتان فاطمة بودودة ومفيدة خرشي رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة منذ 21 مايو، وتواجهان عقوبات تصل إلى السجن 20 سنة.
تغييرات إشكالية في الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب
في السياق ذاته، أدت تعديلات قانون العقوبات والمرسوم التنفيذي، المعتمدان في يونيو وأكتوبر 2021 على التوالي، لوضع قائمة إرهابية وطنية، دون شفافية ورقابة قضائية كافية. ولم تتم إضافة حركتي رشاد والماك إلى القائمة المنشأة بأثر رجعي، والتي ينبغي نشرها في الجريدة الرسمية.
في 8 يونيو 2021، تسبب الأمر 21-08 في اتساع أكبر للتعريف الفضفاض بطبعه للإرهاب في المادة 87 مكرر، بطريقة من شأنها السماح بتجريم المعارضة السلمية، ووضع قائمة إرهابية للأفراد أو الكيانات محل تحريات أولية أو متابعة جزائية أو المدانين الصادر بحقهم حكم أو قرار بالإدانة. [10]وبالتالي تقوض هذه التعديلات قرينة البراءة، وبناءً عليه قد يواجه الكيانات أو الأفراد عقوبات، غير محددة، مرتبطة بالقائمة؛ بناءً على تحريات أولية أو ملاحقة جنائية فقط.
يحدد المرسوم التنفيذي رقم 21-384 الصادر في 7 أكتوبر 2021 آلية عملية إضافة أو حذف الكيانات والأفراد من القائمة الخاصة بالإرهاب. ويخضع الأفراد والكيانات المدرجة أسمائهم في القائمة لحظر السفر وتجميد الأصول و«المنع من أي نشاط من أي نوع». هذا التدبير الأخير، وبسبب غموضه، يفتح الباب أمام وضع قيود تعسفية على الحق في حرية تكوين الجمعيات، وحرية التجمع السلمي، أو حتى الحق في العمل، دون الاستناد لأي أساس قضائي؛ إذ تتولى لجنة برئاسة وزير الداخلية وتضم عدة وزراء ورؤساء أجهزة أمنية أخرى، اتخاذ مثل هذه القرارات بشأن إدراج وشطب الأفراد والكيانات من القائمة، بناءً على المذكرات الواردة من الوزارات المعنية. ويمكن لهذه اللجنة شطب فرد أو كيان من القائمة إذا طعنوا في إدراجهم وبينوا سبب عدم تبرير ذلك.
لذا، فإن عملية الإدراج والاستئناف متروكة بالكامل لتقدير السلطات التنفيذية والهيئات الأمنيةـ وهو ما يعد أمرًا مثيرًا للقلق؛ إذ تحتفظ الرئاسة الجزائرية، بموجب دستور 2020، بالهيمنة على جميع مؤسسات الدولة، ولأن سيادة القانون لا تمثل أساسًا مهمًا لعمل الدولة، فضلًا عن عدم خضوع الهيئات الأمنية للرقابة المدنية والديمقراطية.
ووفقًا لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، [11]فإن العملية الشفافة للإدراج في القائمة والشطب ينبغي أن «تستند لمعايير واضحة، (...) وأدلة مناسبة ومعايير صريح وموحدة، فضلًا عن ضرورة وجود آلية فحص فعّالة مستقلة يسهل الوصول إليها». ويتعارض التعريف الفضفاض للإرهاب في قانون العقوبات والافتقار إلى آلية مراجعة مستقلة مع هذه المبادئ التوجيهية. ومن دواعي القلق الأخرى الافتقار للمعلومات التي تقدمها السلطات القضائية الجزائرية للمتهمين بشأن الطبيعة الدقيقة لجرائمهم وأسباب محاكمات وفق قوانين مكافحة الإرهاب.
ففي تقرير مقدم إلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أكد الخبير المستقل المعني بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مكافحة الإرهاب أنه «يجب أن يكون للمحاكم المدنية اختصاص مراجعة الأحكام والإشراف على تطبيق جميع تدابير مكافحة الإرهاب دون أي ضغط أو تدخل، لا سيما من الفروع الأخرى للحكومة». [12]
الموقعون
المدافعون الأفارقة (شبكة المدافعين الأفارقة عن حقوق الإنسان); منظمة المادة 19; مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان; التحالف العالمي لمشاركة المواطنين; الأورو متوسطية للحقوق; منظمة مدافعو الخط الأمامي; حملة اليوبيل; منا لحقوق الإنسان; مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط; مركز جوستيتيا للحماية القانونية لحقوق الإنسان في الجزائر.
[1] قدور شويشة، جميلة لوكيل، سعيد بودور، وكاميرا نايت سعيد.
[2] جميلة لوكيل، سعيد بودور، محمد مولودج وحسن بوراس.
[3] على وجه التحديد المواد عدد: 75، 79 ،87 مكرر، 95 مكرر، 95 مكرر 1، 96، 98، 100، 144، 144 مكرر، 144 مكرر 2، 146، 196 مكرر 296 و298.
[4] هم: محمد بوبينة، يونس سايح، محمد إسلام سعودي، منير كلاش، ورياض وشان.
[5] هما: جمال بختاوي وزهير مسعودان.
[6] النشطاء الأمازيغيين هم: علي ميمون، زهير جمعي، بوجمعة مالك، رزقي أولحاج، حنافي ولد محند، زهير مسعودان، عبد النور سعيدي، لحلو بشاخ، حمزة بوعون، رزيق زواوي، عبد النور عبد السلام، سفيان مهني، طاهر عيشي، ندير شلبابي، ويحيى إقناتن.
[7] في بيان بتاريخ 4 أغسطس 2021 (AL DZA 6/2021)، أعربت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة عن انزعاجها «مما يبدو أنه ممارسة منهجية للاحتجاز التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي لمتظاهري الحراك، دون الوصول إلى ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك الوصول إلى محام، والاتصال بالعائلة، والفحص الطبي، فضلًا عن الحق في قرينة البراءة».
[8] في تعليقها على المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قررت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن الاحتجاز السابق للمحاكمة يجب ألا يستخدم إلا عندما يكون قانونيًا ومعقولًا وضروريًا؛ على سبيل المثال لمنع الهروب أو التدخل في الأدلة أو تكرار الجريمة.
[9] وهم: عصام مساعدية، عقبة تولميت، وأسامة مداسي.
[10] نقح الأمر رقم 08 -21 الفصل 87 مكرر من قانون العقوبات الذي يُعرّف الأعمال الإرهابية وأتممها بالمادة 87 مكرر 13 والمادة 87 مكرر 14.
[11]صحيفة الواقع عدد 32 حول حقوق الإنسان والإرهاب ومحاربة الإرهاب.
E/CN.4/2005/103 [12]، الفقرة 15.