13 أغسطس 2020
إحتفلت موريتانيا في 28 نوفمبر 2019 بالذكرى السنوية لاستقلالها عن فرنسا. لكن هذا التاريخ يصادف حدثا آخر. إنها ذكرى الإعدام التعسفي لـ 28 جندياً موريتاني من أصول أفريقية بقاعدة إينال ، في 28 نوفمبر 1990. تعتبر هذه الواقعة من دلالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت خلال الفترة بين عامي 1989 و 1991 والمعروفة بـ " الإرث الإنساني".
بعد مرور ثلاثة عقود تقريبًا، لا يزال الضحايا وعائلاتهم يواجهون أحكام القانون رقم 93-23 ، الذي منح العفو لأفراد قوات الأمن عن كل الجرائم التي قد يكونوا ارتكبوها خلال تلك الحقبة.
وهكذا قامت منا لحقوق الأنسان و CCR-M (جمعية للدفاع عن حقوق الضحايا وأهاليهم) بدعوة المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار إلى مطالبة السلطات الموريتانية بإيجاد حللهذه القضية.واستندت الجمعيتين عىى شهادات عشرات الضحايا وأسرهم والتي توضح حجم وجسامة الانتهاكات المذكورة.
تذكير بالإرث الإنساني
منذ نهاية الثمانينات، طردت الحكومة الموريتانية بقيادة العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع أكثر من 60،000 موريتاني من هالبولار وسونينك وولوف الذين يشار إليهم بالموريتانيونيين الأفارقة"، في سياق نزاعات حدودية بين موريتانيا والسنغال. وأعقب عمليات التهجير هذه انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
بين أكتوبر 1990 ومنتصف يناير 1991 ، اعتقلت السلطات الموريتانية تعسفيًا حوالي 3000 جندي موريتاني من أصل أفريقي بتهمة الإعداد لانقلاب. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 500 و 600 منهم تعرضوا لعمليات إعدام بإجراءات موجزةبعد تعذيبهم واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي. وأُفرج عن الذين نجوا من التعذيب بين مارس وأبريل 1991 بموجب عفو رئاسي.
قانون العفو
حاول العديد من الضحايا وأصحاب الحقوق رفع قضايا أمام المحاكم الوطنية، لكن ثبت لهم أن هذه الإجراءات عديمة الجدوى بعد تبنيالقانون رقم 93-23 المؤرخ 14 يونيو 1993 الذي يمنح العفو لأفراد قوات الأمن عن أي جرائم قد يكونوا ارتكبوها أثناء أداء واجبهم. نددت هيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة مراراً بهذا التشريع، وفي يوليو 2019 ، أعربت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن قلقهاإزاء غياب الإرادة الحكومية في تعديل النص.
أمام انعدام سبل انتصاف محلية، لم يكن أمام ذوي الحقوق من خيار سوى اللجوء إلى ولايات قضائية خارج الحدود الوطنية. فرفعوا شكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي طلبت سنة 2000 من السلطات الموريتانية "إجراء تحقيق مستقل للكشف عن مصير الأشخاص المفقودين، وتحديد هوية المتورطين في الانتهاكات"، و" تعويض الأرامل وذوي الحقوق من أهالي الضحايا ".
كما تم تقديم شكاوى التعذيب في أوروبا ، وخاصة في فرنسا ضد إيلي ولد داه، الذي كان ضابط مخابرات في قاعدة جريدا في ذلك الوقت. في 1 يوليو 2005 ، قضت محكمة الجنايات بمدينة نيم الفرنسية بسجنه لمدة 10 سنوات لتورطه المباشر وإعطائه الأوامر وتنظيمه لأعمال تعذيب سنتي 1990 و 1991.
غياب إصلاح كامل وشامل
تدعي السلطات الموريتانية أنها حققت العدالة وعوضت الضحايا بشكل مناسب. بيد أن هذا لا توافق عليه جمعيات الدفاع عن الضحايا التي تعتقد أن تدابير التعويض لا يمكن أن تكون بديلا للحق في الانتصاف الفعال للضحايا وأسرهم.
وفيما يخص الاعتراف بما حدث، نظمت صلاة جماعية على أرواح الضحايا في مدينة كايدي في 25 مارس 2009. ومع ذلك، لازالت حقيقة ما وقع خلال تلك الفترة من الطابوهات الوطنية، كما أشار إلى ذلكالمقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب.
لم يفتح أبدا تحقيق شفاف للكشف عن حقيقة الجرائم المرتكبة، ولم تطلقملاحقات قضائية ضد الجناة،كما لم تُعد جثث ضحايا عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء إلى العائلات التي لا تعرف لهم مقابر لزيارتها والصلاة عليها.
كيف يمكن تسوية قضية الإرث الإنساني؟
تقدمت منا لحقوق الإنسان و CCR-M بقائمة غير حصرية من التدابير لتسوية قضية الإرث الإنساني بشكل نهائي. منها إلغاء قانون العفو لإثبات حقيقة الجرائم المرتكبة ومحاكمة المسؤولين وفرض العقوبات المناسبة. كما أن السلطات مطالبة بتقديمتعويضات مناسبة لجميع الضحايا وذويهم، تتناسب مع حجم الأضرار التي لحقت بهم. لكن الأهم لتنفيذ هذه التدابير هو السلطات الموريتانية على إرادة سياسية حقيقية.
مشروع قانون العدالة الإنتقالية
في 12 ديسمبر 2019 ، قدمت النائب الموريتاني السيدة أنيسة با مشروع قانون بشأن العدالة الانتقالية بإنشاء "هيئة للحقيقة والمصالحة" وإلغاء قانون العفو رقم 23-93.
في حين أن هذه المبادرة هي خطوة في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بحل قضية"الإرث الإنساني" ، فإن مشروع القانون يفتقر إلى الوضوح القانوني فيما يتعلق بالمساءلة ويفشل في ضمان استقلال الهيئة.
في 27 كانون الثاني (يناير) 2020 ، تقدمت منا لحقوق الأنسان و CCR-M (جمعية للدفاع عن حقوق الضحايا وأهاليهم) بتحليل قانوني مهم لمشروع القانون إلى المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار وإلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. يحتوي هذا التحليل على قائمة بالتوصيات التي تهدف إلى تحسين المسودة الاولية للقانون.
مراسلات الأمم المتحدة الموجهة إلى السلطات
في 11 يونيو 2020 ، أرسل العديد من المكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة ، بمن فيهم المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار ، رسالة تتضمن إدعاءات إلى السلطات الموريتانية بشأن عدم وجود سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال ما يسمى بفترة "بالإرث الإنساني" في موريتانيا ومشروع قانون العدالة الانتقالية الذي قدمته النائبة أنيسة با.
وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم الشديد إزاء "عدم التحقيق والملاحقة القضائية للانتهاكات التي ارتكبت خلال فترة الإرث الإنساني ". وأشاروا إلى أن قانون العفو رقم 93-23 لا يزال يمنع الضحايا من الحصول على العدالة والتعويضات، مما يخلق بيئة من الإفلات من العقاب كان لها تأثير سلبي على المجتمع. لا تزال الأقلية الأفرو-موريتانية تعاني من التمييز الهيكلي ، كما أشارت لجنة القضاء على التمييز العنصري مؤخرًا في ملاحظاتها الختامية في مايو 2018.
وبينما رحب المقررون بتقديم مشروع قانون بشأن العدالة الانتقالية بإنشاء هيئة للحقيقة والمصالحة ، فقد أعربوا عن أسفهم لنقص الدقة في بعض أحكام النص ، لا سيما تلك المتعلقة بتكوين الهيئة وصلاحياتها وآلياتها.
ردت السلطات الموريتانية على ملاحظات المقررين الخاصين في رسالة مؤرخة في 23 سبتمبر 2020، متاحة هنا.
نُشر هذا المقال لأول مرة في 28 نوفمبر 2019. وتم آخر تحديث له في 11 نوفمبر 2020.