17 أبريل 2023
بقلم سعد الدين شاتيلا ، نُشر في الأصل على موقع العربي الجديد.
في تشرين الثاني 2022، زارت لجنة الامم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري دولة العراق، وذلك لتحديد والدفع قدماً نحو معالجة ظاهرة ممارسة الاختفاء القسري. حيث تقاعسـت السـلطات العراقية باسـتمرار عـن إنهـاء هـذه الممارسة، أو توضيـح مصير حالات الإختفاء، أو توفــر ســبل الإنتصاف المناسبة للعائلات المتضررة.
سأتطرق في هذا المقال حول ممارسة الإختفاء القسري في العراق، زيارة اللجنة الأممية إلى العراق، وأخيراً ما أصدرته اللجنة المعنية من توصيات بعد هذه الزيارة.
الإختفاء القسري في العراق
بعد عقود من الصراع والعنف السياسي في العراق، صنف الاختفاء القسري في العراق على أنه "مشكلة ذات أبعاد هائلة". حيث أنه لا يطال فقط الضحية بل أيضاً عائلات الضحايا، ومختلف أطياف المجتمع. الأرقام المشار إليها في المنشورات والوثائق الرسمية تتراوح ما بين 250.000 إلى 1.000.000 مختفٍ، مما تؤكد بلا شك انتشار حالات الاختفاء في البلاد. ويرجع عدم وجود عدد محدد لحالات الإختفاء، إلى غياب إحصاء موحد وأيضاً مفهوم واحد للإختفاء القسري، بالإضافة إلى حالة من الإنكار في إرتكاب عدد كبير من هذه الحالات سواء من القوات الحكومية او المليشيات المسيطرة.
عدة حقبات زمنية مرت على العراق، أنتجت عدد كبير من حالات الإختفاء القسري. بداءاً بحقبة نظام البعث في العراق وإقليم كردستان (1968-2003)؛ ثم تلاها غزو الأميركي للعراق عام 2003؛ مروراً بإعلان داعش قيام خلافة إسلامية على جزء من أراضي العراق والعمليات العسكرية ضد داعش (2014-2017)؛ ثم فترة المظاهرات المناهضة للحكومة (2018-2020).
وفي جميع هذه السياقات، كان الجناة لجريمة الإختفاء القسري عناصر أجهزة أمنية تابعة للدولة، وقوات عسكرية أجنبية، وجهات فاعلة مسلحة التي يشار إلى معظمها عادةً باسم "الميليشيات" التي لها مستويات مختلفة من الانتماء أو القرب من الدولة. المليلشيات المشار إليها سابقاً تسمى رسيماً "الحشد الشعبي"، وهي تتكون من وحدات عسكرية مختلفة دعمت القوات المسلحة العراقية أثناء القتال ضد داعش منذ تاريخ 19 كانون الأول 2016، وضمت هذه الواحدات رسيماً بموجب مرسوم رئيس الوزراء إلى القوات الأمنية العراقية في 8 آذار 2018.
تأثر جميع سكان العراق، بغض النظر عن مجموعتهم العرقية والدينية بهذه الممارسة المتفشية من الإختفاء القسري.
الزيارة الأممية إلى العراق
في 23 تشرين الثاني 2010، صادق العراق على الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وقد عرفت المادة الثانية من الإتفاقية الإختفاء القسري بأنه "الإعتقال أو الإحتجاز أو الإختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون".
وكون العراق أصبح ملتزم بتنفيذ مواد الإتفاقية، طلبت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري عام 2015 ، إجراء زيارة إلى العراق بموجب المادة 33 من الإتفاقية. في تشرين الثاني 2021، قبلت الحكومة العراقية طلب الزيارة مما شكل خطوة إيجابية حتى مع التأخر ستة سنوات في الرد على طلب هذه الزيارة.
زارت اللجنة الأممية العراق في الفترة من 12 إلى 24 تشرين الثاني 2022. وتألف الوفد من كارمن روزا فيلا كوينتانا، وهي رئيسة اللجنة ورئيسة الوفد، وباربرا لوشبيهلر وهي نائبة رئيسة اللجنة، ومحمد عياط وهو نائب رئيسة اللجنة، وألبان بروفيت وهي رئيسة أمانة اللجنة.
زار الوفد الأممي مدن الأنبار وبغداد وأربيل والموصل وسنجار، وعقد 24 اجتماعاً مع السلطات العراقية، كما أجرى الوفد مناقشات مع المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم المسؤولون عن التحقيق في حالات الاختفاء القسري، وأولئك الذين يعملون على تحديد مكان الأشخاص المختفين، والمسؤولين عن وضع وتنفيذ السياسات العامة ذات الصلة.
وإلتقى أيضاً أربعة وفود من المفوضية العليا لحقوق الإنسان في المحافظات التي تمت زيارتها، وعقد سبعة اجتماعات مع 171 شخص هم ضحايا سابقين أو أقارب ضحايا لإختفاء قسري، وإلتقى أيضاً منظمات المجتمع المدني من الأنبار وبغداد وكركوك وديالى وأربيل ونينوى وصلاح الدين.
فضلاً عن ذلك، تمكن الوفد أن يتابع عمليتين لاستخراج الجثث وزار مركزاً مؤقتاً لتحديد هوية الحمض النووي في سنجار. كما زار أربعة أماكن للحرمان من الحرية وهي: مركز إحتجاز أربيل؛ مركز الإحتجاز الفيصلية في الموصل؛ مركز احتجاز مطار مثنى في بغداد؛ وأخيراً مركز الإحتجاز في مطار بغداد الدولي. زيارة هذه المراكز للإحتجاز كانت لأجل فحص كيفية عمل أنظمة التسجيل المحتجزين فيها، حيث يعتبر تسجيل الأشخاص المحرومين من حريتهم وسيلة أساسية لمنع الاختفاء القسري.
التوصيات الصادرة عن اللجنة الأممية
في 31 آذار 202، أصدرت لجنة الامم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري تقريرها حول هذه الزيارة، وختمته بمجموعة من التوصيات.
جاء من الأولويات القصوى، أن يتخذ العراق تدابير فورية لوضع الأسس للتصدي لحالات الاختفاء القسري. وهذا يستلزم:
(أ) توضيح مفهوم الاختفاء القسري لجميع الجهات الفاعلة المعنية، حيث طوال هذه الزيارة أظهرت الاتصالات مع السلطات الوطنية انعدام الوضوح السائد فيما يتعلق بمفهوم الاختفاء القسري. حيث يوجد ارتباك حتى بين السكان، وغالباً ما يتم استخدام مجموعة واسعة من المصطلحات مثل الاختطاف والاختفاء والإعتقال والفقدان على أنها إختفاء قسري. وهذا يجعل مفهوم الإختفاء القسري مختلط بمفاهيم غير مرتبطة كما أوضحته الإتفاقية؛
(ب) مراجعة الإطار القانوني الوطني وتجريم الاختفاء القسري باعتباره جريمة قائمة بذاتها، حيث حتى الان لا يوجد تشريع بذاته يعرف ويعاقب الاختفاء القسري كما هو منصوص عليه في الاتفاقية، ولكن هنالك محاولات متعددة لتقديم مشروع قانون بشأن الاختفاء القسري في العراق ولكنها ما زالت تحت قيد المناقشة في مجلس النواب؛
(ج) توضيح وتعزيز الإطار المؤسسي وضمان التنسيق المنهجي والفعال بين المؤسسات الحكومية، حيث يوجد حالياً أكثر من 17 مؤسسة حكومية تتحمل مسؤوليات تتعلق بالاختفاء، ولكن لا تعمل بشكل متناسق وفعال؛
(د) إنشاء سجل موحد وموثوق به على الصعيد الوطني لحالات الاختفاء في البلاد منذ عام 1968، لأجل تنفيذ ذلك يجب تجميع المعلومات من مصادر مختلفة وتنظيمها بحيث يمكن دمجها في هذا السجل؛
تشكل هذه المتطلبات شروطًا مسبقة لإنشاء استراتيجية فعالة لمنع حالات الاختفاء القسري في العراق والقضاء عليها.
بالإضافة أكدت اللجنة أن جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم، بمن فيهم المشتبه في ارتكابهم أعمالاً إرهابية، يجب أن يُتاح لهم إمكانية الاتصال بمحام منذ بداية حرمانهم من حريتهم. وينبغي السماح بشكل منهجي بزيارات المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية وهيئات المراقبة الدولية إلى جميع أماكن حرمان الحرية، أياً كانت الوزارة المسؤولة.
وأخيراً شددت اللجنة على أهمية أن يدرج المواضيع المتعلقة باختفاء الأشخاص في المناهج الجامعية، وينبغي على العراق أن يطلق على وجه السرعة، حملة وطنية ودولية واسعة للإعلام والتوعية بشأن حالات الاختفاء القسري في العراق.
الخطوات المقبلة
أمام العراق أربعة أشهر لتقديم أي ملاحظات قد يود إبداءها فيما يتعلق بتقرير زيارة اللجنة الأممية. وسيتم نشر هذه الملاحظات في حال تقديمها على صفحة الويب الخاصة باللجنة. بعد انقضاء هذه الفترة، ستتابع اللجنة تنفيذ توصياتها وفقاً للإتفاقية، بالتنسيق والتعاون مع العراق ومختلف الجهات الفاعلة المعنية.
لذلك ينبغي على السلطات العراقية، إستغلال هذه الزيارة بمنظور إيجابي وتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير زيارة اللجنة بشكل فعال، وبحسن نية من خلال اعتماد استراتيجية المذكورة أعلاه لمنع الاختفاء القسري والقضاء عليه، وتوفير إجراءات مناسبة للبحث عن الحقيقة والمساءلة والتعويض في حالات الاختفاء القسري.
بالنسبة لأهالي الضحايا الإختفاء القسري، الزيارة ليست فقط رمزية بل تعني الكثير لهم، فهي تمنحهم الأمل وسوف تشكل لهم خطوة إلى الأمام في معرفة مصير أحبائهم.
فلتكن التوصيات الصادرة عن هذه اللجنة بمثابة خارطة طريق للقضاء على هذه الممارسة المتفشية في العراق.