11 يوليو 2024
قدمت لجنة العدل (CFJ)، ومجموعة منّا لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان (EFHR) تقريرًا تقييميًا إلى اللجنة الفرعية للاعتماد (SCA) التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (NHRIs) يتحدى فيه جهود المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان للحفاظ على وضعه كمؤسسة من الفئة الأولى. وكانت الهيئة الفرعية للإعتماد قد أمهلت المجلس القومي لحقوق الإنسان 12 شهراً لمعالجة عدد من النقائص التي أبرزها خلال جلستي سبتمبر وأكتوبر 2023.
لهذا سعت لجنة العدل (CFJ)، ومجموعة منّا لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان (EFHR) لتقديم تقرير تقييم مشترك يحتوي معلومات متابعة قد تساعد في تقييم مدى امتثال المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مصر لمبادئ باريس، وسيعرض تقرير التقييم هذا معالجة امتثال المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان لمبادئ باريس، ولا سيما تلك التي أبرزتها اللجنة الفرعية للاعتماد في توصياتها لعام 2023.
فعلى مدى العامين الماضيين، ظلت الحكومة المصرية تحاول تبييض سجلها في مجال حقوق الإنسان من خلال تصوير نفسها على أنها منفتحة على الحوار السياسي مع المعارضة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في إطلاق الحوار الوطني في عام 2022 والتأكيد على أن عام 2022 سيكون "عام المجتمع المدني". ورغم كل هذا، مهدت "الانتخابات الرئاسية" الأخيرة التي جرت في مصر في المدة من 10 إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، والتي تم فيها تعيين الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة، الطريق لحملة قمع غير مسبوقة ضد الشعب المصري وبيئة ديمقراطية.
كذلك في مايو/ أيار 2023، اعتقلت قوات الأمن المصرية طالبين من جامعة المنصورة، بعد أن عبرا عن آراء مؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي. وبالمثل، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، تم اعتقال أربعة نشطاء دوليين واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من 27 ساعة، في أعقاب احتجاج مؤيد لفلسطين خارج وزارة الخارجية المصرية في القاهرة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اعتقلت قوات الأمن المصرية تعسفيًا واحتجزت وحاكمت العشرات من المتظاهرين والناشطين السلميين في القاهرة والإسكندرية الذين تجمعوا للتظاهر سلميًا تضامنًا مع فلسطين والمطالبة بحماية المدنيين في غزة. وفي المدة ما بين 20 و24 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقلت قوات الأمن ما لا يقل عن 72 متظاهرًا سلميًا في أعقاب مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين.
وفي كل تلك الانتهاكات فشل المجلس القومي لحقوق الإنسان في التحرك لمنعها أو مساءلة الدولة عنها، ما يثير تساؤلات جدية فيما يتعلق بقدرته على القيام بدوره كهيئة حقوقية مستقلة ومحايدة، كل ذلك بسبب السيطرة الحكومية على المجلس الذي أحاله لـ "مجلس شبه حكومي"، "وهي بالتالي مؤسسة لا تستوفي المتطلبات المنصوص عليها في مبادئ باريس. ورغم تشجيع اللجنة للمجلس على تعزيز جهوده لمعالجة جميع انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنه لا يزال يتم تجاهل مئات الشكاوى المقدمة إلى المجلس، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وهذا يقود إلى استنتاج أن المجلس ليس آلية فعالة لمساءلة الدولة أو إنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
وحول زيارة أماكن سلب الحرية، نقل تقرير التقييم المشترك ملاحظات لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة لعام 2023، بشأن التقرير الدوري الخامس لمصر، والذي أكد على وجود العديد من أوجه القصور فيما يتعلق بمراقبة المركز الوطني لحقوق الإنسان لمراكز الاحتجاز، كذلك هناك وجود نوع من القلق لعدم وجود معلومات عن أي زيارات غير معلنة لأماكن الحرمان من الحرية من قبل آليات مستقلة، وعن التدابير المتخذة لتنفيذ التوصيات المقدمة من هيئات الرصد، كما أن ولاية المجلس لا تسمح له بإجراء زيارات غير معلنة إلى أماكن الحرمان من الحرية، فإن زياراته يُزعم أنها مُرتّبة مسبقًا، ولا تسمح بالوصول دون عوائق أو إجراء مقابلات سرية مع المحتجزين. وحثت اللجنة الحكومة المصرية على "التأكد من أن هيئات المراقبة المكلفة بزيارة أماكن الحرمان من الحرية؛ بما في ذلك المجلس القومي لحقوق الإنسان، قادرة على القيام بزيارات منتظمة ومستقلة وغير معلنة لجميع الأماكن المدنية والعسكرية والتحدث بسرية مع جميع الأشخاص المحتجزين.
وبشأن استقلالية المجلس الإدارية، حاول تقرير التقييم المشترك تقديم صورة واقعية عن قيادات المجلس، حيث تتفاقم المخاوف بشأن استقلاليته بسبب تكوين قيادته، فإن كلاً من رئيس ونائب رئيس المجلس، المعينون في عام 2021 لمدة أربع سنوات، هما مسؤولان مصريون سابقون، كما عمل نائب رئيس المجلس، محمود كارم، منسقًا للحملة الرئاسية للرئيس "السيسي"! وبالتالي، فإن تكوين المجلس في حد ذاته يمثل انتهاكًا واضحًا للمتطلب الأساسي لمبادئ باريس؛ المتمثل في أن "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تكون، ويُنظر إليها، وقادرة على العمل بشكل مستقل عن تدخل الحكومة"، كما أن اللجنة طالبت في آخر مراجعة لها للمجلس وأعماله "ضمان إضفاء الطابع الرسمي على عملية اختيار وتعيين واضحة وشفافة وتشاركية لهيئة صنع القرار في المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في التشريعات أو اللوائح ذات الصلة أو المبادئ التوجيهية الإدارية الملزمة، حسب الاقتضاء"، وهو ما لم يتم في الواقع.
ففي 29 ديسمبر 2021، أصدر الرئيس "السيسي" القرار رقم 616 لسنة 2021، بإعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان لمدة أربع سنوات، حيث تم ترشيح السفيرة مشيرة محمود خطاب، رئيسًا للمجلس، والسفير محمود كارم محمود، نائبًا للرئيس، ولم يشارك المجتمع المدني في عملية الترشيح. وعلى الرغم من الأدلة الواقعية على عدم التمثيل، إلا أن المجلس ما زال يدعي في تقريره أن "المجلس يتمتع بتمثيل متنوع وغني للمجتمع المدني، حيث يأتي ما يقرب من نصف أعضائه من منظمات المجتمع المدني"، وهو "خطاب استعراضي" يتعارض مع حقيقة تكوين المؤسسة.
وحول الاستقلال المالي للمجلس، لاحظ تقرير التقييم المشترك بقلق استمرار افتقار المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الاستقلال المالي في مواجهة السلطة التنفيذية. وبينما تنص المادة الأولى من القانون رقم 197 لسنة 2017 بتعديل أحكام القانون رقم 94 لسنة 2003 على أن المجلس "يتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته"، إلا أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يظل قائمًا في الدولة- ممولة. وفي الواقع، لا يزال قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان يطالب مجلس النواب بالموافقة على أية منح وتبرعات يتلقاها المجلس الوطني من جهة أجنبية، ما يتناقض مع متطلبات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان حيث "لا ينبغي أن يُطلب منها الحصول على موافقة الدولة على مصادر التمويل الخارجية، لأن هذا الشرط قد ينتقص من استقلالها".
وعن إصدار التقارير السنوية، تأسف المنظمات المعدة لتقرير التقييم المشترك لغياب أي تحليل لانتهاكات حقوق الإنسان، أو البيانات الانتقادية، أو الدعوة لاحترام وحماية وتعزيز التزامات مصر في مجال حقوق الإنسان في تقارير المجلس، وتتناقض هذه التحسينات المزعومة بشكل صارخ مع الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان الصادرة في أبريل 2023، وكذلك ملاحظات منظمات المجتمع المدني.
ولكل ما سبق، تؤكد "لجنة العدالة"، "منا لحقوق الإنسان" و”هيومن رايتس فويندشن”، على أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في مصر لا تفي بالحد الأدنى من المعايير، وأن لدى "لجنة العدالة" أسباب معقولة للقول بأن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان المصرية لا تستوفي المتطلبات اللازمة لمنحها الوضع "أ". ولذلك ينبغي على اللجنة الفرعية للاعتماد أن تنظر في تخفيض رتبة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى المرتبة "ب" حتى تتمكن المؤسسة من معالجة أوجه القصور الكبيرة لديها بمصداقية وفعالية.